Pages

Monday, April 11, 2011

أهمية الموارد البشرية

استثمار الموارد البشرية

يقول تعالى: {وَالْعَصْرِ. إِنَّ الاِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.

الآيات الكريمات هنا تحدد وتبين أن الناس فئتان؛ فئة خاسرة, وفئة فائزة, والمرجح لكفة الفئة الفائزة هو العمل. ولكن ليس أي عمل, بل إنه العمل الصالح, والذي يهمنا إزاء هذه الحقيقة, كيف نستطيع أن نرقى بأنفسنا وأولادنا وبأفراد المجتمع كله لنكون مع الفريق الفائز؟!


وفي الواقع أن كل إنسان عاقل يأبى أن ينسب إلى الفريق الخاسر. ومتى وجد هذا الشعور بداخلنا فيمكن أن نعتبره نقطة انطلاق نحو الاستثمار الأفضل للموارد البشرية؟
فما هو الاستثمار؟ وما هي الموارد البشرية؟
فأما الاستثمار فمأخوذ من النماء والاستكثار , ويطلق في واقعنا الحالي على استثمار الأموال.
أما الموارد البشرية فقد حدد, د. جمال عبده المقصود منها فقال: ( كل أفراد المجتمع الإسلامي هم من الموارد البشرية الكامنة والفاعلة في آن واحد, إذ إن لكل منهم وجهين,  أحدهما يكون فيه موردا كامنا تنميته,  والآخر يكون فيه فاعلا؛  فتتم الاستفادة والانتفاع به حسب فاعليته ).


وبناءً على ما سبق ذكره فهناك تساؤلات تطرح نفسها، مثل: هل يمكن استثمار الموارد البشرية حقاً؟ وكيف السبيل القويم لهذا الاستثمار؟ وهل هناك جهة معينة تقوم بذلك أم جهات عدة؟ وهل يعود نفع هذا         ا لاستثمار على الفرد وحده أم على المجتمع بأكمله؟


استثمار الموارد البشرية:
بما أن الاستثمار هو إنماء الكوامن من القدرات و المواهب في النفس البشرية وجني الخير منها؛ فإن هذا يعني أنه موجود منذ وجود الإنسان على سطح الأرض. ويكفينا في هذا الرجوع إلى جيل الصحابة ومن بعدهم؛ حيث تم فيهم استثمار جميع الطاقات التي منحهم الله إياها.
ومن نماذج استثمار الموارد البشرية:  
النوار بنت مالك ـ رضي الله عنها ـ التي كانت أماً مثالية بحق, فقد استطاعت أن تستثمر طاقة ابنها زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ استثماراً حسناً حتى أصبح عالماً يشار إليه بالبنان حيث لاحظت نبوغ صغيرها, وأنه ذو طاقة فاعلة, ولعل أكثر ما يدل على هذه الطاقة ما رواه زيد عن نفسه من أنه ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله, جعلت فداك، ائذن لي أن أكون معك, وأجاهد أعداء الله تحت رايتك, فنظر إليه الرسول الكريم نظرة سرور وإعجاب وضرب بيده على كتفه برفق وود, وطيب خاطره, وصرفه لصغر سنه. هذه الحادثة تدل دلالة واضحة على وجود طاقة فاعلة لدى زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ لكن كيف استطاعت والدته أن تستثمر هذه الطاقة وتوجهها نحو المعالي؟ إنها تحمست لرغبة ابنها في الجهاد وتفاعلت معه لدرجة أنها حزنت مثله عندما رده رسول الله صلى الله عليه وسلم،  بمعنى أنها اهتمت برغبته، وهذا عامل مهم في استثمار الطاقات، فكانت نتيجة اهتمام الأم بهذا الأمر شعور الابن بأنه منع من شيء عظيم، وإلا لما  حزنت    أمه معه, فما كان منه إلا أن فكر في البديل والمجال الآخر الذي يمكن أن ينبغ فيه دون أن يكون لصغر سنه  أثر,  فهدي إلى العلم والأخذ المباشر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الغلام الفكرة لأمه, فهشت وبشت، بل ونشطت لتحقيقها, فحدثت بها بعض رجال قومها, فخرجت بذلك من المشاعر النفسية إلى العمل  الفعلي, وانتقلت من التخطيط إلى العمل الذي أسهم بدوره في استثمار أكبر لتلك الطاقة الفاعلة, لدى ذلك الابن؛ لأن أمه لم تكتف بإظهار الفرح لهذا الطموح العظيم, بل سعت لتحقيقه. وبالفعل تم للابن وأمه ما أرادا.
وثمة عامل ثالث أسهم في استثمار طاقة زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ وهو اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم به, واختياره له، وتوظيفه للطاقات الفاعلة لدى الصبي واستغلالها الاستغلال الأمثل.
فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم اختبره في حفظه, فوجده حافظاً متقنا، فطلب منه أن يتعلم اللغات إذ قال صلى الله عليه وسلم: "يا زيد تعلم لي كتاب اليهود, فإني والله ما آمنهم على كتابي". فتعلمه زيد في نصف شهر، وتابع الرسول صلى الله عليه وسلم رعايته وتنمية قدرات زيد، فقال له صلى الله عليه وسلم: "يا زيد أتحسن السريانية؟ إنها تأتيني. فقال زيد:لا. قال: فتعلمها. فتعلمها زيد في سبعة عشر يوما".
ولما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم كتابة زيد بن ثابت سرّ بها, لكنه صلى الله عليه وسلم حرص على   تنمية طاقته في هذا الجانب, فقال: "يا زيد , إذا كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فبين السين فيها".
كانت جميع هذه العوامل هي العامل الكبير (بعد الله تعالى) لتنمية واستثمار تلك الطاقات الفاعلة في زيد رضي الله عنه.
وكان المربح الأكثر شرفا لزيد بن ثابت أنه تأهل ليكون كاتبا للقرآن منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بل نال شهادة تفوق من النبي صلى الله عليه وسلم، يفسرها قوله صلى الله عليه وسلم: "أفرض أمتي زيد بن ثابت".
وما قصة زيد بن ثابت إلا نموذج واحد من آلاف النماذج التي تزخر بها السيرة العطرة، والتي يتبين لنا من قراءتها كيف استثمرت البشرية آنذاك وكيف تأهلت الأمة الإسلامية لتكون بحق خير أمة أخرجت للناس. ويعتبر هذا النموذج متكاملاً, حيث ظهرت قدرات الطفل في حب الجهاد، ومن ثم حب العلم والأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبرز دور الأسرة في التشجيع ثم السعي إلى أهل العلم الذين برز دورهم في رعايته، ثم تكللت رعايته بالنجاح في رعاية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لمواهبه وتنميتها وتوجيهها للكمال, ثم ظهور نتائج أرباح وثمار هذه القدرات بأن صار زيد ـ رضي الله عنه ـ من كتاب الوحي لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأي شرف أفضل من هذا الشرف؟!
 
هكذا كان سالف الأمة الإسلامية، ولا وجه للمقارنة بين سلفها الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ وبين واقعنا المعاصر.
وإذا ضربنا مثلا لاستثمار الموارد البشرية من أطفال الصحابة، فلنا أيضا نماذج مشرفة تنير صفحات تاريخنا، وتتمثل هذه النماذج في العلماء المسلمين الذين كانوا مشاعل نور وهداية, وقد استثمروا قدراتهم واستفادوا من أوقاتهم واستغلوها أحسن استغلال لصالح العلم, فجنوا خير الثمار, وتركوا لنا أعظم العلوم التي نستفيد منها إلى يومنا هذا.
فها هو "الذهبي" يروي لنا في ترجمة الخطيب: أنه كان يمشي وفي يده جزء يطالعه. وما ذلك إلا حرصاً منه على وقته وألا يضيّع منه شيئاً إلا ويستغله في صالح العلم.
وهناك مثل آخر لعالم جليل وهو "أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي" إذ يحدثنا عن نفسه قائلاً: "إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري, حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة , وبصري عن مطالعة, أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره".
وكان داود الطائي (يستف الفتيت ويقول: بين سف الفتيت وأكل الخبز قراءة خمسين آية).
أليس هؤلاء العلماء الأجلاء خير نماذج تحتذى؟! لقد ضربوا لنا أروع الأمثلة في الاستفادة من الوقت وبذل الجهد والمثابرة لاستثمار قدراتهم التي حباهم الله بها.
وتمثل أعمالهم هذه جهة من الجهات المعنية باستثمار الموارد البشرية وهذه الجهة ذاتية، أي من داخل نفوس هؤلاء العلماء، ومن المؤكد أن في حياة كل منهم سيرة عظيمة توضح أدوار أسرهم والأشخاص الذين ساهموا في تنمية علومهم وقدراتهم حتى بلغوا شأواً من العلم.
ولن يعود للمسلمين عزهم التليد حتى نضمن استثمار الموارد البشرية كما استثمرها السلف الصالح, فأخرجوا لنا نوابغ في كل فن, وتركوا لنا مآثر بارزة في مشارق الأرض ومغاربها
وبعد أن عرفنا نماذج من جيل الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ ومن علماء المسلمين الأفذاذ، وتبين لنا كيف يكون استثمار الموارد البشرية لابد أن نحدد من هم المعنيون والمساهمون بتنمية الموارد البشرية واستثمارها؟
 وذلك على النحو التالي:
أولا: الأسرة أو الوالدان.
ثانياً:النفس والذات. 
ثالثا: المؤسسات التعليمية، سواء كانت مدارس أو جامعات.
رابعاً: المؤسسات الخيرية.
خامساً:المؤسسات الحكومية وسائر مجالات التوظيف.
أولاً: دور الأسرة
إن الأفراد في الأسرة الواحدة يتفاوتون في مواهبهم وقدراتهم كما تتفاوت صورهم وأشكالهم, وعلى الوالدين أن يميزوا بين الأطفال ذوي الطاقة الكامنة والطاقة الفاعلة؛ لأن كلاً منهم يحتاج لرعاية خاصة حتى تنمّى وتستثمر موارده. ومتى لاحظ الوالدان مواهب وقدرات ونبوغاً في طفلهما فعليهما أن يحمدا الله على هذه النعمة، وأن يعملا على تنميتها بالطريقة التي تناسب هذه الموهبة, حيث لكل موهبة طرق تنمية خاصة بها، والذي يهمنا في هذه التنمية أن تكون ضمن إطار تعاليم ديننا الإسلامي؛ حتى تأتي ثمار هذه القدرات والنبوغ في طاعة الله, عندها يتم فيها الخير للفرد والمجتمع على السواء.
فهناك من لا يحسن استثمار ذلك النبوغ، مثال على ذلك ما جاء عن بعض الأمهات أن ابنها تكلم في سن مبكرة جداً، وبدأ يحفظ بعض النصوص التي لا يستطيع أقرانه حفظها, فقررت استثمار هذا النبوغ, فذهبت به إلى بعض المدارس الأجنبية البعيدة عن مفاهيم ديننا الإسلامي وعادات مجتمعنا, وبالفعل استطاع ذلك الطفل أن ينهي دراسته الجامعية وهو لم يتجاوز الثانية عشر!! ويجيد اللغة الإنجليزية بطلاقة, لكنه ظهر في الصحف وهو يرتدي الزي الإنجليزي. وهذا التأثر خارجي، وهو لا يخفى على أحد. أما التأثر الداخلي، أي في قيمه ومبادئه فهو أمر لا يعلم به إلا الله! إذ لا يكفي أن يتميز الإنسان ويبدع ويكون له شأن في الحياة, بل الذي يهمنا أن يكون هذا التميز والإبداع في طاعة الله.
وفي المقابل نجد هناك من يحسن استثمار الطاقة الفاعلة في أولاده، فقد جاء في جريدة المدينة بتاريخ 27ربيع الآخر 1423هـ العدد 14320 لقاء مع والد الطفلة الموهوبة (روان) حيث شاركت في مهرجان الطفل المسرحي بجدة، وقدمت من خلال هذا المهرجان عدداً من المشاركات مثل قراءة القرآن الكريم وإلقاء قصائد باللغة العربية والإنجليزية، وتبلغ هذه الطفلة خمس سنوات فقط, حيث ظهرت مواهبها وقدراتها المبدعة منذ أكثر من ثلاث سنوات في مجالات مختلفة من رسم ونحت حتى إن كل من يتحدث معها يحس أن في داخلها بركاناً ثائراً من المواهب والإبداع. وما يهمنا هنا الوسيلة التي استطاع بها والدها استثمار هذه الطاقة الفاعلة في ابنته والتي وصفها الصحفي (بأنها بركان ثائر).
يقول والدها: عندما أصبح عمر روان سنتين لاحظنا تميزها في كثير من الأمور فبدأنا نهتم بها بشكل كبير, قمنا بتعليمها القرآن الكريم بطريقة الاستماع إلى القرآن عن طريق المسجل، فترسخت الآيات في ذهنها وأتمت حفظ ثلاث أجزاء في سنة ونصف... إلى آخر ما ذكره هذا الوالد للصحف عن الوسائل التي اتبعها لتنمية قدرات ابنته.
هذا فيما يتعلق بالطفل ذي الطاقة الفاعلة, ولكن كيف يتولى الوالدان رعاية طفلهما ذي الطاقة الكامنة؟
ينبغي على الوالدين أن يحرصا على تنمية طاقة طفلهما الكامنة، وليتحدثا معه بطريقة تدعوه إلى التفكير والاستكشاف فيقولان مثلا: من أوجد هذه الشجرة؟ وتُرى من أبدع صنع الجبال؟ وكذلك ينبغي لهما الإجابة الصحيحة عن أسئلة طفلهما، وألا يستخفا بها وليحرصا أيضا على شراء الألعاب التي تبرز قدرات الطفل العقلية، خاصة التي تحتاج إلى تفكيك  وتركيب, أو التي تستدعي عند الطفل حب الاستكشاف.
وهناك عوامل أخرى مشتركة تسهم في تنمية طاقات النوعين من الأبناء، منها:
1)
الثناء على الطفل ومدحه.
2)
مشاركة الطفل في أحزانه وأفراحه. وسبق بيان أثر هذا العامل في إثراء طاقة زيد بن ثابت رضي الله عنه.
3)
اختيار المدارس الجيدة التي تتميز بالمعلين الأكفياء.
4)
توجيهه لمجالس الأطفال المتفوقين حتى يتفوق مثلهم.

ثانياً: التنمية الذاتية 
قد ينشأ الفرد فلا يجد رعاية لطاقاته في محيط الأسرة، سواء كانت فاعلة أو كامنة, فإذا أدرك أو شعر بنوع من التميز في شخصيته, فعليه أن يبادر إلى استثمار طاقته بنفسه، وسبق أن ذكرنا ثلاثة نماذج من استثمار طاقات النفس في السلف الصالح.
واستثمار طاقات النفس من أكمل عوامل الاستثمار وأفضلها؛ إذ لا يعد ذلك الاستثمار نوعاً من الضغط على النفس؛ لأنه نابع  من الذات، ويقدم عليه الشخص بهمة عالية وفقاً للطاقة التي تتفاعل بداخله, والتي لا يستطيع سبر أغوارها إلا الشخص نفسه. ولهذا نجد عبدالله بن عمرو بن العاص حينما أكثر من الطاعات وهو شاب, وأشفق عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك وأمره بالتوسط، يقول: "دعني أستمتع بشبابي يا رسول الله"،  فعبد الله ابن عمرو يبين بهذه العبارة أنه يريد استغلال طاقات قوة الشباب الفاعلة بداخله ويجعلها في طاعة الله والاستفادة منها قبل أن يصير إلى المشيب, وهذا المثال يشير إلى أن استثمار طاقات النفس هو نوع من الاستمتاع بالقوة، ولا شك أن الذي يستمتع باستثمار طاقاته يكون أكثر إبداعا من ذلك الذي لا يستمتع بذلك، وإنما يدفع إلى استثمار طاقاته دفعاً.
ومن أهم العوامل التي تساعد على استثمار طاقات النفس
1- الإدراك الكامل للغاية لكل ما في الوجود، وأننا لم نخلق عبثاً. يقول تعالي: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ }.
2- الإلمام بالمفهوم الواسع لمعنى العبادة التي خلقنا الله  من أجلها، حيث لا تقتصر تلك العبادة على عمل الجوارح كما يظن البعض، بل إنها تشمل المقاصد والنيات، ولهذا يؤجر العبد على كل عمل يقصد به إرضاء الله، حتى الأكل يؤجر عليه إذا نوى أن يتقوى به على العبادة.
3- الحرص على الوقت وابتكار الوسائل  المعينة على استغلاله، كما فعل داود الطائي -  رحمه الله - حينما كان يؤثر سف شيء ناعم على أكل المرق بالخبز؛ لأنه كما ذكر (بين سف الفتيت وأكل الخبز قراءة خمسين آية ).
4- الاعتراف بالنقص البشري والتعامل معه بصورة إيجابية.
5- الالتزام بالمبدأ, والإصرار على طلب العلم, يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (كان إذا بلغني الحديث عند رجل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, أتيت باب بيته في وقت قيلولته وتوسدت ردائي عند عتبة داره، فيسفي علي الريح من التراب ما يسفي، ولو شئت أن أستئذن عليه لأذن لي ).
6- التطلع لمعالي الأمور واستغلال المواقف, قال ابن عباس: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار:هلم نسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  فإنهم اليوم كثير، فقال: وا عجباً لك يا ابن عباس! أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من ترى؟!! فترك ذلك وأقبلت على المسألة, فبقي الرجل حتى رآني, وقد اجتمع الناس عليّ, فقال: هذا الفتى أعقل مني.
7- التخطيط وجدولة المهام والحرص على إنجاز الأول فالأول, ومتى صرفه شيء طارئ عن إنجاز الأول قسّم وقت الأمر الثاني إلى قسمين: القسم الأول ينجز فيه المشروع، وقسم واحد بعجالة، على أمل أن يستدركه في موعده الأصلي، والقسم الثاني كذلك؛ حتى لا يدخل في وقت المشروع الثالث فيفسد الجدول وتختلط الأمور.
8- الحرص على الإتقان, تنفيذاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". ويروى عن ابن عباس في ذلك أنه قال: "كنت أسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم".
9- أن لا ينسب لنفسه الفضل في أي عمل يقوم به، بل يتمثل دائماً، قوله تعالى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ }
10- التوجه بالشكر إلى الله في نهاية كل عمل تم الفراغ منه أو النبوغ فيه، وهذا عامل مهم في استثمار الطاقات قلما يفطن إليه, ولهذا قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُـورُ..}، وتتجلى أهميته في قوله تعالى {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ }.
11- الموازنة بين القوة العلمية والقوة العملية, قال ابن القيم -  رحمه الله -:
 
السائر إلى الله والدار الآخرة, بل كل سائر إلى مقصد, لا يتم سيره ولا يصل إلى مقصوده إلا بقوتين: قوة علمية, وقوة عملية؛ لأنه بالقوة العلمية يبصر منازل الطريق ومواضع السلوك, وبالقوة العملية يسير حقيقة.
ولهذا لابد من الموازنة بينهما؛ لأنه إذا طغت القوة العلمية على الشخص, بمعنى أنه برز في العلم وتمكن من أدواته, إلا أنه كان قليل العمل بما علمه وتعلمه؛ أثر ذلك فيمن حوله من أفراد المجتمع, بل قد يكون فتنة للمتعلمين والمستثمرين لطاقاتهم، حيث يرون في من يقرأ كثيراً ويتكلم ويكتب ويشار إليه بالبنان رجلاً قاسي القلب, قليل الخشوع، خفيف العبادة، لا يتورع عن الشبهات, ولا يستطيع التضحية والتنازل عن بعض الحقوق أو المصالح الشخصية من أجل الدعوة. والذي طغت عليه القوة العملية وضعفت عنده القوة العلمية؛ فإنه قد يعبد الله على جهل, ويدعو إليه على جهل, وهذا  يخشى عليه من التخليط والتخبط عند ورود الشبهات, لكن من وازن بين القوتين؛ استقام له سيره إلى الله ورجي له النفوذ, وقوي على رد القواطع والموانع بحول الله وقوته. وتتحقق الموازنة بالمبادرة إلى العمل بكل ما يصل إليه علمه، وترك التسويف إلى وقت الفراغ الذي لن يأتي.
ثالثاً:المؤسسات التعليمية
المتأمل في نشأة المؤسسات التعليمية وتطورها, يجد أنها قد ساهمت في استثمار الموارد البشرية , واستطاعت أن تبرز نماذج بشرية مضيئة بحسن الاقتداء بها, يمكن أن تستثمر استثماراً أكبر وأشمل, ويعود على الأمة الإسلامية بالنفع الكبير الذي قد يكون بداية العودة للمجد التليد. ومن ذلك شخصية العالم المبرز، الذي يعد واحداً من عباقرة العالم، وهو الدكتور المصري الأصل "محمد زويل" الذي برز في المجال العلمي الدقيق ثم نبغ أكثر عندما وجد من استثمر طاقاته الفاعلة في أمريكا فأصبح من أشهر علماء العالم ونابغة يشار إليه بالبنان. ولنا مثال آخر يحتذى به، وقد تحدثت عنه الصحف، وهو الطالب السعودي "إبراهيم بن سعد المعجل" الذي أُحسن استثمار طاقته من قبل المؤسسات التعليمية، لاسيما عندما وجد تشجيعاً وحفاوة من وزير المعارف حينما حصل على الدرجة الكاملة 100% في نتائج الثانوية العامة للدراسة في أمريكا، فبرز نبوغه وتأهل ليكون أول طالب من خارج أمريكا يحصل على ميدالية مؤسسة الجامعة التي تمنح للطالب المتفوق الذي يحصل على الدرجة الكاملة 4 من 4 بأمريكا.
والعامل المهم الذي ينبغي أن تأخذ به المؤسسات التعليمية هنا هو الاستفادة من تجارب الدول المتميزة باستثمار الطاقات, لكن وفق ضوابط إسلامية، وهذه الاستفادة مهمة جداً؛ لأننا نخشى من هجرة العقول الفاعلة بحجة ضعف الإمكانات المتاحة عندنا.


رابعاً: المؤسسات الخيرية
والحديث يشمل العاملين بالمؤسسات الخيرية والمتبرعين لها:
أ- استثمار العاملين:
1- اختبار الأعضاء المتقدمين اختباراً عملياً لمعرفة القدرات والطاقات المبدعة، ومن ثم يتم إسناد العمل المناسب حسب هذه القدرات بما يدفع العمل الخيري إلى الأمام.
2- إقامة الدورات التعليمية لذوي القدرات المتواضعة دون استبعادهم، وذلك بأن تقام دورة إعداد الداعيات أو دورة في فن التعامل أو دورة في الآداب الشرعية.
3- فهم نفسية العامل والاهتمام به ومراعاة الحاجة النفسية لديه، مثل حب التقدير, وإثبات الذات فيترك له حرية اختيار العمل الذي يثبت فيه ذاته, فإذا أتقن يجب تكريمه, وإن لم يتقن فينبغي أن يقدر له ذلك الجهد الذي بذله.
4- التنسيق بين المؤسسة والمؤسسات الخيرية الأخرى؛ حتى تتكاتف الجهود ويشعر العضو بالأخوة الإيمانية بين أعضاء المجتمع الواحد, الأمر الذي يدفعه إلى مزيد من الإخلاص والإتقان في العمل.
5- التسامح والتعالي على الخلافات التي قد تنشأ بين المؤسسات الخيرية.
6- تحقيق القدوة الحسنة في التعامل من خلال الالتزام بالمواعيد والتخلق بمكارم الأخلاق من حلم وأناة وتواضع ولين جانب.
ب- استثمار المتبرعين:
1- الصياغة الجيدة للإعلانات الموضحة لأهداف المؤسسة، وبثها في الوسائل الإعلامية أو الإعلان عنها عن طريق الأفراد.
2- التقدير لما يقدمه المتبرع مهما صغر وقل شأنه, وذلك بالثناء عليه أو بتقديم شهادة شكر وعرفان، وهذا النوع من الخدمة الممتازة للمتبرع تجعله لا ينسى المؤسسة؛ لأن الخدمة الجيدة ـ كما يقولون ـ ليس لها تاريخ انتهاء صلاحية! وهذا بدوره سيؤدي إلى زيادة عدد المتبرعين؛ لأن الذي يتحدث منهم عن تجربة وخبرة لديه الفرصة في إقناع غيره أكثر من أي متبرع لم يلق أية حوافز.
3- استضافة المتبرعين لأيام المهرجانات والمخيمات الدعوية مع الاهتمام بحسن ضيافتهم.
خامساً: المؤسسات المهنية ومجالات التوظيف
إن المؤسسات المهنية أصبحت الآن تسير وفق خطط مدروسة وبرامج علمية هادفة, لكن يوجد عامل ينبغي التذكير به ليكون معيناً لاستثمار تلك الطاقات الفاعلة في المجتمع, والتي نمٍيت من قبل الأسرة ثم النفس ثم المؤسسات التعليمية، ولم يبق سوى مجال التوظيف لتؤتي أكلها ويستفاد من ثمارها.. إن الاهتمام بالشخص المتميز وتهيئة فرص العمل المناسبة لقدراته هو أفضل سبيل لاستثمار الموارد البشرية في المجتمع؛ إذ من خلاله يتحقق للدولة الاكتفاء الذاتي في سائر المجالات الصناعية أو الزراعية أو غيرها؛ لأن الإنسان المتميز لا ينتج إلا شيئاً متميزاً في النوعية والجودة.
والعامل الثاني: هو تبادل الخبرات والاستفادة من ذوي العقول النيرة، لاسيما المسلمين منهم, والمعتدلين من غيرهم، فالحكمة ضالة المؤمن.
والعامل الثالث: الاهتمام بالترقيات, والمكافآت التقديرية التي من شأنها رفع معنويات العامل وحثه على تقديم الأفضل.
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يعيننا على تنمية طاقاتنا واستثمارها استثماراً أمثل. إنه سميع مجيب.
 

لمزيد من التفصيل تقرأ المراجع التالية:
1-
منازل العباد بين القوة العلمية والقوة العملية , لهشام آل عقدة، ط. دار طيبة.
2-
التفوق والنجابة على نهج الصحابة، لمحمد العجمي , ط. مكتبة العبيكان.
3-
تنمية الموارد البشرية والمالية في المنظمات الخيرية، لسليمان العلي, ط. إنتر ناشونال غرافيكس.
4-
قضايا اللهو والترفيه، لمادون رشيد.  

Disediakan Oleh :
Ustz. Nasimah
Unit Aktiviti Akademik PKA